"الفلسفة الاغريقية"
مقاربة تاريخية لنشأتها وتطورها
الكاتب: محمد جديدي
الناشر: بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008
الفلسفة الاغريقية ليست ترفاً فكرياً ولا إرثاً من الماضي السحيق، ولن تكون كذلك، في حال من الأحوال. كما أنها ليست
قصصاً تروى للتسلية، بقدر ما تنطوي عليه من دروس وعبر ونماذج فكرية ذات مضمون إنساني عميق، تنبغي مقاربتها
على سبيل التأمل والاعتبار.على هذا الأساس، تبدو الفلسفة الاغريقية قديمة جديدة في آن لأنها تتجاوز في قيمتها المعرفية
التقسيمات التقليدية الأكاديمية لمسار الفكر الإنساني، نحو التأمل المليء بالطرائق والآليات التي توصل من خلالها فلاسفة
الاغريق ومثقفو ذلك العصر السحيق الى تلك المواقف والأفكار التي احتفظت حتى اليوم بمرتكزاتها المنطقية وثباتها
الفكري وجدواها في حث العقل البشري الحديث على مزيد من الابتكار في مجال علوم الأفكار.من هذا المنظور، يجتهد
كاتب هذه الدراسة في إضافة لبنة جديدة الى المعارف الفلسفية، كما يجري تداولها في الوطن العربي. وصولاً الى تحقيق
الأهداف الآتية: محاولة سدّ الثغرة الكبيرة الناتجة عن قلة المصادر وندرة النصوص الفلسفية الاغريقية المتوافرة باللغة
العربية وأيضاً اللغات الأجنبية الأخرى بالنسبة الى طلبة الدراسات الفلسفية في الجامعات والمعاهد العربية. ثاني هذه
الأهداف يتمثل في التكرار الذي يبلغ حدّ الاجترار الممل وأحياناً المبتذل في ما يتعلق بالمؤلفات السائدة عن الفلسفة
الاغريقية القديمة. إذاً غالباً ما تتّسم هذه الأخيرة بكونها متشابهة من حيث المضمون الذي يخلو من الاجتهاد المبتكر في
مقاربة النصوص الاغريقية. الثالث والأهم، على الأرجح، هو محاولة تعويض الغياب الفاضح لنصوص المؤرخين
والمفكرين بجديتهم ودراساتهم الثرية والعميقة عن تاريخ الفكر الفلسفي الاغريقي.
يتضمن الكتاب ثمانية فصول، يتناول أولها وهو بعنوان »مدخل الى الفكر الشرقي«، نشأة الفلسفة في الشرق القديم،
ونماذجها المختلفة وإشكالياتها وتطورها في سياقها التاريخي. ويعتبر أن الفلسفة لم تكن موجودة، بمفاهيمها المتفق عليها
قبل اليونان. والمقصود بذلك أن الغاية منها هي المعرفة النظرية من دون الجان العملي. وهذا الأمر لم يعرف، في هذا
الإطار، قبل الاغريق. ويناقش الفصل الثاني الفلسفة اليونانية من حيث المصادر والإرهاصات والخصائص والعصور
التي تعاقبت عليها. ويعرض المؤلف ما يعتبره مصادر أساسية ساهمت في نشوء وتكوين الفلسفة الاغريقية، من بينها:
الشعر الأسطوري لدى هوميروس وأيضاً الشاعر هزيود وما انطوى عليه نتاج هذين الشاعرين الكبيرين من تفكير
أخلاقي؛ العقائد والديانات التي كانت سائدة في تلك الأثناء الغابرة؛ والحصيلة الفكرية للحكماء القدامى وهم: صولون،
بيتاكوس، الحكيم بياس، اريسطودام، الحكيم أناطارسيس، كليوبيل، طاليس، ميسون، شيلون وبيرياندر، وسواهم. ويتطرق
المؤلف، في الفصل الثالث، الى المدرسة الطبيعية الايونية. وقد سميت كذلك تيمناً بالمنطقة الجغرافية التي نشأت فيها
وهي: أيونيا. وقد اهتم أصحاب هذا التوجه بالطبيعة وتلمسوا عناصرها إجابة عن أصل نشوء الكون. ومن بين أبرز
فلاسفتها: طاليس، انكسيمندريس وديوجين الابولوني.يناقش الفصل الرابع المدرسة الفيتاغوريه وهيرقليطس.الأولى ليست
توجهاً فلسفياً خالصاً، بل جماعة امتزجت آراؤها، على الأرجح بالتعاليم الدينية والأخلاقية والسياسية. وتدور حول تحرر
النفس البشرية من موبقات الحياة وتطهيرها من علائق البدن. وتدور فلسفة هيرليطس حول النقاط الآتية: إن الصراع هو
العلة الأساسية في تولّد الكائنات وبقائها؛ وحدة الموجودات التي تمثل الحقيقة السامية؛ حركة الزمن الدائمة التي تغير
الأشياء وتبدلها؛ المتناقضات والمتضادات التي تتشكل منها الحياة. ويتناول الفصل الخامس »المدرسة الايلية« التي ينتمي
إليها كل من بارميندس وزنيون الايلي. يبحث هذان عن علة جامعة شاملة للأشياء المتنافرة متلمسين الحقيقة السرمدية التي
لا تقبل التغير والتبدل والفناء. ويناقش الفصل السادس الحركة السفسطائية والحكمة السقراطية. الأولى تنم عن تفكير
زائف لا جوهر حقيقياً له، ولذلك فقد اشتهر أصحاب هذه المدرسة بالمخادعة والانتهازية واستخدام الذرائع الواهية
للإيحاء بأنهم مثقفون ومفكرون. أما الثانية فصاحبها المفكر الأخلاقي الكبير، سقراط، الذي انكب على الكشف عن
الفضائل الإنسانية النبيلة، وماهيات الأشياء، مستخدماً في ذلك منهج الاستدلال والاستقراء وصولاً الى الحقيقة.يفرد
الفصل السابع حيزاً واسعاً لمناقشة أفكار الفيلسوف الاغريقي الأكبر، أفلاطون. وهو أول من أبدع مذهباً متكاملاً وشاملاً
تمتد تشعباته الى مختلف أنحاء الفكر والواقع. أهم أعماله »المحاورات«. وتدور فلسفته حول نظريته في عالم المثل
وجوهرها التبصر بالخير والحق والجمال، وهي ضرب من التهذيب المستمر للنفس وتفريغها من شواغل المادة وتطويعها
بالتأمل والعلم حتى تنفجر بالحكمة. فالإنسان، في هذا السياق لا يكون فيلسوفاً إلا إذا انبثقت الأفكار من نفسه وعبرت عن
ذاته. ويتناول الفصل الثامن الفيلسوف الاغريقي الأعظم أرسطو، وهو الذي بلغت الفلسفة معه أوجها من حيث قيمتها
المعرفية والتاريخية. ويتفرع مذهبه الفلسفي الى العلوم النظرية وهي التي تطلب لذاتها مثل: العلم الإلهي أو الفلسفة
الأولى، والعلم الرياضي، والعلم الطبيعي. وتكمن أهمية هذا الفيلسوف في أنه جعل العملية المعرفية تمر عبر سلسلة من
الأدوات والجسور المترابطة، تعمل كل حلقة منها على إتمام وإكمال الفعل المعرفي.يشكل هذا الكتاب مسحاً موضوعياً
يقترب من الشمولية في مقاربة الفلسفة الاغريقية القديمة من حيث جذورها ونشوؤها وتكوينها وتطورها. والأغلب أن
اللافت في هذه الدراسة، تلك الصلة البنيوية بين فصول الكتاب. كل منها ينبثق من الذي سبقه ويمهد للفصل الذي يلي.
وذلك على نحو يجعل من الفلسفة الاغريقية قصة مترابطة في سياق تاريخي موحد.يقع الكتاب في 342 صفحة من القطع
الكبير. ويحتوي على ثبت بالمراجع والفهارس.
