الجمعة، 7 نوفمبر 2008

"الفلسفة الاغريقية"
مقاربة تاريخية لنشأتها وتطورها
الكاتب: محمد جديدي
الناشر: بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008
الفلسفة الاغريقية ليست ترفاً فكرياً ولا إرثاً من الماضي السحيق، ولن تكون كذلك، في حال من الأحوال. كما أنها ليست
قصصاً تروى للتسلية، بقدر ما تنطوي عليه من دروس وعبر ونماذج فكرية ذات مضمون إنساني عميق، تنبغي مقاربتها
على سبيل التأمل والاعتبار.على هذا الأساس، تبدو الفلسفة الاغريقية قديمة جديدة في آن لأنها تتجاوز في قيمتها المعرفية
التقسيمات التقليدية الأكاديمية لمسار الفكر الإنساني، نحو التأمل المليء بالطرائق والآليات التي توصل من خلالها فلاسفة
الاغريق ومثقفو ذلك العصر السحيق الى تلك المواقف والأفكار التي احتفظت حتى اليوم بمرتكزاتها المنطقية وثباتها
الفكري وجدواها في حث العقل البشري الحديث على مزيد من الابتكار في مجال علوم الأفكار.من هذا المنظور، يجتهد
كاتب هذه الدراسة في إضافة لبنة جديدة الى المعارف الفلسفية، كما يجري تداولها في الوطن العربي. وصولاً الى تحقيق
الأهداف الآتية: محاولة سدّ الثغرة الكبيرة الناتجة عن قلة المصادر وندرة النصوص الفلسفية الاغريقية المتوافرة باللغة
العربية وأيضاً اللغات الأجنبية الأخرى بالنسبة الى طلبة الدراسات الفلسفية في الجامعات والمعاهد العربية. ثاني هذه
الأهداف يتمثل في التكرار الذي يبلغ حدّ الاجترار الممل وأحياناً المبتذل في ما يتعلق بالمؤلفات السائدة عن الفلسفة
الاغريقية القديمة. إذاً غالباً ما تتّسم هذه الأخيرة بكونها متشابهة من حيث المضمون الذي يخلو من الاجتهاد المبتكر في
مقاربة النصوص الاغريقية. الثالث والأهم، على الأرجح، هو محاولة تعويض الغياب الفاضح لنصوص المؤرخين
والمفكرين بجديتهم ودراساتهم الثرية والعميقة عن تاريخ الفكر الفلسفي الاغريقي.
يتضمن الكتاب ثمانية فصول، يتناول أولها وهو بعنوان »مدخل الى الفكر الشرقي«، نشأة الفلسفة في الشرق القديم،
ونماذجها المختلفة وإشكالياتها وتطورها في سياقها التاريخي. ويعتبر أن الفلسفة لم تكن موجودة، بمفاهيمها المتفق عليها
قبل اليونان. والمقصود بذلك أن الغاية منها هي المعرفة النظرية من دون الجان العملي. وهذا الأمر لم يعرف، في هذا
الإطار، قبل الاغريق. ويناقش الفصل الثاني الفلسفة اليونانية من حيث المصادر والإرهاصات والخصائص والعصور
التي تعاقبت عليها. ويعرض المؤلف ما يعتبره مصادر أساسية ساهمت في نشوء وتكوين الفلسفة الاغريقية، من بينها:
الشعر الأسطوري لدى هوميروس وأيضاً الشاعر هزيود وما انطوى عليه نتاج هذين الشاعرين الكبيرين من تفكير
أخلاقي؛ العقائد والديانات التي كانت سائدة في تلك الأثناء الغابرة؛ والحصيلة الفكرية للحكماء القدامى وهم: صولون،
بيتاكوس، الحكيم بياس، اريسطودام، الحكيم أناطارسيس، كليوبيل، طاليس، ميسون، شيلون وبيرياندر، وسواهم. ويتطرق
المؤلف، في الفصل الثالث، الى المدرسة الطبيعية الايونية. وقد سميت كذلك تيمناً بالمنطقة الجغرافية التي نشأت فيها
وهي: أيونيا. وقد اهتم أصحاب هذا التوجه بالطبيعة وتلمسوا عناصرها إجابة عن أصل نشوء الكون. ومن بين أبرز
فلاسفتها: طاليس، انكسيمندريس وديوجين الابولوني.يناقش الفصل الرابع المدرسة الفيتاغوريه وهيرقليطس.الأولى ليست
توجهاً فلسفياً خالصاً، بل جماعة امتزجت آراؤها، على الأرجح بالتعاليم الدينية والأخلاقية والسياسية. وتدور حول تحرر
النفس البشرية من موبقات الحياة وتطهيرها من علائق البدن. وتدور فلسفة هيرليطس حول النقاط الآتية: إن الصراع هو
العلة الأساسية في تولّد الكائنات وبقائها؛ وحدة الموجودات التي تمثل الحقيقة السامية؛ حركة الزمن الدائمة التي تغير
الأشياء وتبدلها؛ المتناقضات والمتضادات التي تتشكل منها الحياة. ويتناول الفصل الخامس »المدرسة الايلية« التي ينتمي
إليها كل من بارميندس وزنيون الايلي. يبحث هذان عن علة جامعة شاملة للأشياء المتنافرة متلمسين الحقيقة السرمدية التي
لا تقبل التغير والتبدل والفناء. ويناقش الفصل السادس الحركة السفسطائية والحكمة السقراطية. الأولى تنم عن تفكير
زائف لا جوهر حقيقياً له، ولذلك فقد اشتهر أصحاب هذه المدرسة بالمخادعة والانتهازية واستخدام الذرائع الواهية
للإيحاء بأنهم مثقفون ومفكرون. أما الثانية فصاحبها المفكر الأخلاقي الكبير، سقراط، الذي انكب على الكشف عن
الفضائل الإنسانية النبيلة، وماهيات الأشياء، مستخدماً في ذلك منهج الاستدلال والاستقراء وصولاً الى الحقيقة.يفرد
الفصل السابع حيزاً واسعاً لمناقشة أفكار الفيلسوف الاغريقي الأكبر، أفلاطون. وهو أول من أبدع مذهباً متكاملاً وشاملاً
تمتد تشعباته الى مختلف أنحاء الفكر والواقع. أهم أعماله »المحاورات«. وتدور فلسفته حول نظريته في عالم المثل
وجوهرها التبصر بالخير والحق والجمال، وهي ضرب من التهذيب المستمر للنفس وتفريغها من شواغل المادة وتطويعها
بالتأمل والعلم حتى تنفجر بالحكمة. فالإنسان، في هذا السياق لا يكون فيلسوفاً إلا إذا انبثقت الأفكار من نفسه وعبرت عن
ذاته. ويتناول الفصل الثامن الفيلسوف الاغريقي الأعظم أرسطو، وهو الذي بلغت الفلسفة معه أوجها من حيث قيمتها
المعرفية والتاريخية. ويتفرع مذهبه الفلسفي الى العلوم النظرية وهي التي تطلب لذاتها مثل: العلم الإلهي أو الفلسفة
الأولى، والعلم الرياضي، والعلم الطبيعي. وتكمن أهمية هذا الفيلسوف في أنه جعل العملية المعرفية تمر عبر سلسلة من
الأدوات والجسور المترابطة، تعمل كل حلقة منها على إتمام وإكمال الفعل المعرفي.يشكل هذا الكتاب مسحاً موضوعياً
يقترب من الشمولية في مقاربة الفلسفة الاغريقية القديمة من حيث جذورها ونشوؤها وتكوينها وتطورها. والأغلب أن
اللافت في هذه الدراسة، تلك الصلة البنيوية بين فصول الكتاب. كل منها ينبثق من الذي سبقه ويمهد للفصل الذي يلي.
وذلك على نحو يجعل من الفلسفة الاغريقية قصة مترابطة في سياق تاريخي موحد.يقع الكتاب في 342 صفحة من القطع
الكبير. ويحتوي على ثبت بالمراجع والفهارس.

الأربعاء، 11 يونيو 2008

عرض بحث "تدريس فن التساؤل (الأشكلة)"

الجامعة اللبنانية
كلية التربية
العمادة








تدريس فن التساؤل

(الأشكلة)







إعداد : شيرين عجب
إشراف : د. سمير زيدان
المقرر : تعليم مادة الاختصاص
الإختصاص : تعليم الفلسفة والحضارات
الشهادة : كفاءة في التعليم الثانوي
العام الجامعي :2007 - 2008


التصميم

أولاً : توطئة
ثانياً : لماذا الاشكلة ؟
ثالثاً : المشكل الفلسفي
رابعاً : الاشكالية في الدرس الفلسفي
· رصد الإشكالية
· صياغة الإشكاليّة

خامساً: تمرين لبناء الاشكالية في النص الفلسفي
سادساً: بلورة الاشكالية وصياغتها في الموضوع الفلسفي
سابعاً: خلاصة
ثامناً: المصادر الالكترونية






أولاً: توطئة


علّمنا الدرس الأرسطي أن مبعث التفلسف دهشة ترفع النفس وتدفعها من مستوى الجهل إلى مستوى المعرفة، وبيّن أن الأشكلة إنما تتنزل ضمن هذا السياق[1]، فالأشكلة هي عملية تساؤل حول السؤال؛ والسؤال الفلسفي يولّد الحيرة والدهشة لأنه يعرّض بداهات المعرفة إلى خلخلة عنيفة ويضع موضع شك وتساؤل الادّعاء بالمعرفة (وهذا ما يبرهن عليه الحوار السقراطي).
وبصفة عامة فإن السؤال لا يعتبر سؤالاً فلسفياً إلا إذا كان موضوعه إشكالياً؛ والموضوع لا يتسم بالطابع الإشكالي إلا حينما تكون المعرفة المتعلّقة به ليست حاسمة، أي حينما لا يؤدي الجواب عليه إلى إنهاء إشكاليته
[2].

تُعتبرالقدرة على الأشكلة أحد الاهداف النواتية الاساسية التي يسعى تعليم الفلسفة إلى تحقيقها عند المتعلمين؛ وتسعى المنهجية الجديدة المطبقة حالياً في لبنان إلى إظهار أهمية الأشكلة في الفلسفة بحيث يتردد دائماً في الامتحانات الرسمية سؤال حول صياغة الإشكالية؛ من هذا المنطلق كان لا بد من تدريس الأشكلة في مادة الفلسفة، ولكن بالرغم من هذه الأهمية فأنّ المعلمين بصورة عامة لا يولون تدريس الاشكالية العناية اللازمة ولايدربون تلاميذهم عليها، لذا سنحاول في هذا البحث إظهار أهمية تدريس الاشكالية وكيفية تدريب التلاميذ على رصدها وصياغتها، سواء في النص الفلسفي أو في الموضوع الفلسفي، مع تقديم بعض التمارين المساعدة على ذلك.



ثانياً: لماذا الاشكلة ؟


فعل التفلسف يكمن بالأساس في الأشكلة أي في عملية تحويل السؤال إلى مشكل؛ وهي عملية ترتبط أشد الارتباط بعملية تحليل المعاني.
فالأشكلة هي العملية الأساسية في التفكير الفلسفي، وليست هناك طريقة خاصة لتدريسها، بل يمكن للمتعلم أن يستسيغها بمتابعة التحاليل التي ينجزها أستاذه وبقراءة بعض حوارات أفلاطون حيث يحاول سقراط تمكين محاوره من استبطان وجهة نظر غيره؛ فما قام به سقراط هو بكل تأكيد عملية أشكلة.
فالأشكلة تعبير عن حيرة إزاء مسألة ما، وهي الحركة التي تكشف عن المشكل الفلسفي في نص ما كما تكشف عن رهاناته، كما أنها أيضاً إعادة بناء الإشكالية المخصوصة التي ينظمها الكاتب و رسم لمدى التصور الخاص الذي يبنيه الكاتب ووضع رهانه في موضع إختبار.
لذلك تبدو الأشكلة جهداً في مساءلة المضامين الخفية و إستنطاقها و دفعها إلى دائرة البحث و الدرس حتى يكشف النص عن ذاته مضاميناً و رهانات و إحراجات و حتى تنكشف آليات كتابته و كيفياتها .
1)في الإشكال: أشكل = جعله إشكالياً
2) في المشكل: أشكل= إحياء مشكل mettre à jour un problème
3) في الإشكالية: أشكل = صاغ المشكل فلسفياً
[3]



ثالثاً: المشكل الفلسفي


إن الأشكلة تنطلق من السؤال الموضوع الى المشكل، إذ يجب على المتعلم أن يتجاوز السؤال الظاهر ليستحوذ على المشكل الذي أملى السؤال وهذا لا يكون إلا بمساءلة السؤال نفسه.
إذاً ليس المشكل بمعزل عن عملية الأشكلة بل هو مرحلة من مراحل عملية تفكير. فالمعلوم أن المشاكل الفلسفية الكبرى من مثل: مشكل المعرفة- الوجود- الله... هي باستمرار مشاكل تنتج اجابات فلسفية متنوعة، و مهمة الاشكلة ان تغطي اجابات متنوعة حول مسألة متفرعة من مشكل فلسفي. من هنا فان الاشكلة تطرح تساؤلات تبدو متناقضة:أي قضيتين تبدوان صادقتين، أو على الأقل مدعومتين بحجج، (...)فهاتان القضيتان يمكن اعتبارهما الأطروحتين اللتين يمكن تبنيهما كحلول للمشكل.
[4]

فالكشف عن المشكل الذّي تمثّل الأطروحة حلاّ له يقتضي أن نرتقي من الحلّ إلى المشكل.

و يكون ذلك إمّا:
* بشكل مباشر: " ما هو السّؤال الذّي تقدّم الأطروحة حلاّ له ؟ "
* بشكل غير مباشر: " ما هي الأفكار و المواقف المعارضة لأطروحة النّص ؟
إذا كانت الأطروحة خاطئة، فما هو الموقف البديل الذّي يمكننا إثباته؟
ألا يمكن البرهنة على صحّة أطروحة مناقضة لأطروحة النّص ؟ ".

بالإستناد إلى الإجابات التّي نقدّمها عن هذه الأسئلة، نحاول البحث عن السّؤال الذّي يمكن أن يقبَل، كإجابات ممكنة عنه، في نفس الوقت، أطروحة النّص من جهة و الأطروحات المناقضة لها من جهة أخرى.
فالمشكل إذاً ليس معطى جاهزاً بل هو نتيجة لعملية بناء نشيطة تمكن من مناقشة حكم من الأحكام أي مساءلة طرفين ومجابهتهما، وهو يُبنى من خلال التقدم بأطروحات وإذن بأجوبة إشكالية لأنها تكون مضادة
[5].


رابعاً: الإشكالية في الدرس الفلسفي


إن من خصوصيات الفلسفة أنها لاتدرس إلا القضايا ذات الطبيعة الإشكالية
[6]. فكل تفكيرفلسفي ينطلق من إشكالية ما يحاول كشف أبعادها ونتائجها أو يحاول إعادة صياغتها أو اقتراح سبيل أو سبل لمعالجتها[7]؛ وتعتبر الاشكالية ركناً أساسياً في التفكير الفلسفي، لأنها قضية تساؤلية تنطلق مما هو جوهري في الموضوع، وهدفها إحداث التقابل والإحراج بين الطرفين " الموقفين" لمعالجة مختلف الإجابات الممكنة[8]؛ لذا فهي تقوم على معالجة المشكل في شكل تحليلي معالجة تبرز مختلف السبل للحلول الممكنة، بهدف التمكن من دراستها دراسة منظمة[9] كما تقدّم مؤشّرات لما يمكن أن يكون جوابا على السؤال الذي تطرحه.
فالجواب الفلسفي لا ينفي الإشكال ويوقف عملية التساؤل، بل هو يضيء أبعاداً أخرى في الإشكال، فيصبح أساساً لسؤال آخر.

ترتبط الصياغة الاشكالية بوضع الاحكام، فالحكم الاشكالي يكون مجاله الامكان فقط، ويقول كانط : " الاحكام الإشكالية هي تلك التي يكون إثباتها أو نفيها ممكناً فقط، والقضية الاشكالية هي تلك التي لا تعبر سوى عن إمكانية منطقية".
وتمثل الصياغة الاشكالية تلك العملية التي من خلالها يتم فتح آفاق متعددة أمام التفكير، اي آفاق الممكن، إذ بدون تعدد إمكانيات الحكم يتوقف التفكير ويموت.
بحسب كانط، إن اللحظة الاشكالية هي لحظة التفلسف بامتياز
[10].
إن رصد الإشكاليّة بطريقة غير مباشرة يقتضي المواجهة بين أطروحات متضادّة، وهذا ما
يتطلب الكشف عن أطروحة النّص أي تبيّن الحلّ الذّي يقترحه الكاتب لتجاوز مشكل معيّن وذلك من خلال الاجابة على الاسئلة التالية: * ماذا يثبت الكاتب ؟
* ماذا يطرح ؟
* عن ماذا يدافع ؟
* ما هي الفكرة التّي يريد التّوصّل إليها ؟
*بماذا يريد إقناعنا ؟
* ماذا يريد أن يفهمنا ؟
* ما هي، في آخر الأمر، الفكرة الأشدّ أهمّية و حضوراً في النّص ؟"
[11]
و نتوصل إلى صياغة الاشكالية من خلال الاجابة على الأسئلة المتفرعة عنها[12]:
 ما هي إجابة الكاتب على هذا السّؤال ؟
 ما هي الإجابة المستبعدة ؟
 ما هي المسلّمات الضمنية للسّؤال ؟
 ما هو هدف الكاتب من كتابة هذا النصّ ؟
مثلا ، بالنّسبة إلى نصّ سبينوزا "هل نعرف الجسد ؟"
السّؤال المطروح هو : "كيف هي علاقة النّفس بالجسد ؟"
إجابة الكاتب هي : "النّفس و الجسد وجهان لحقيقة واحدة"
الإجابة المستبعدة هي : "النّفس و الجسد جوهران متمايزان"
ضمنيات السّؤال "الإنسان نفس و جسد"
رهانات الكاتب هي "الكشف عن مدى جهلنا بالجسد و بيان مستطاعه و مدى دوره في تحديد ماهية الإنسان" .
الإشكالية هي إذن : إذا سلّمنا بأنّ الإنسان نفس و جسد ، فكيف هي العلاقة بينهما ؟ هل هي علاقة انفصال قد يؤدّي الإقرار بها إلى تجاهل مستطاع الجسد و مدى دوره في تحديد ماهية الإنسان ؟ أم أنّ النّفس و الجسد وجهان لحقيقة واحدة كما يذهب إلى ذلك سبينوزا في هذا النصّ من "علم الأخلاق " ؟ و أيّ النّتائج يمكن أن تنجرّ عن هذا الإقرار ؟
[13]
يتم صياغة الإشكالية بطريقة تساؤلية متدرجة تتمحور حول نواة الإحراج الأساسية التي يحيل إليها نص الموضوع وتوحي بمسار التفكير في الموضوع المطروح دون أن تكشف مسبقاً عن الحل الذي يتجه إليه التفكير.
ويستحسن، في صياغة الإشكالية، أن تتنوع الأسئلة إلى نوعين:
- أسئلة ذات طبيعة ماهوية
- أسئلة ذات طبيعة نقدية تقويمية.

وبما أن المطلوب ، أولاً، هو استخراج أطروحة القولة، فالسؤال الماهوي، يتيح إمكانية التعمق في القولة و"الغوص" داخلها، بدل أن نحوم حولها. أما الأسئلة ذات الطبيعة النقدية، فهي توفر مناسبة للابتعاد النسبي عن القولة، وبالتالي إبراز قيمتها الفلسفية والفكرية على ضوء معطيات قبلية، وبالتالي أطروحات اكتسبناها سابقاً.

لذا، لا بد أن نعمل - في مستوى المقدمة - نوعاً من التمهيد يأخد بالقارئ تدريجيا إلى الإشكال؛ فالمقدمة تتضمن شقين مترابطين:
- التمهيد للاشكالية
- التعبير عن هذه الاشكالية وصياغتها وطرحها.

فمن خلال الاجابة على السؤال التالي: ماهو السؤال أو الاشكال الذي يعتبر النص بمثابة جواب عليه أو معالجة له؟ نحدد السؤال المركزي الذي سنطرحه في آخر المقدمة.

أما لصياغة التمهيد، فنطرح الاسئلة التالية:
- ما هو موضوع النص؟
- ما هو المجال أو القضية التي يتحرك ضمنها النص؟
- ما هو المفهوم أو المفاهيم الاساسية التي يتمحور حولها النص؟
[14]
وتمثل عملية الأشكلة العمليّة الفلسفية بامتياز، ويتوقف إنجازها على الإنتباه إلى صيغة المساءلة في الموضوع الفلسفي والتحري في ما قد تحتمله صيغة الموضوع من تعدد للمستويات الدلالية قصد التمييز بينها والإحاطة بها ثم العمل على تحويل السؤال إلى مشكل من خلال الكشف عن المسلمات الضمنية لصيغة السؤال و بلورة رهانات التفكير فيه.[15]


خامساً: تمرين لبناء الاشكالية في النص الفلسفي


المهارة:إستخراج الأطروحة المثبتة و الأطروحة المستبعدة و بناء الإشكالية .

الهدف : جعل التلميذ قادرا على :
- تحديد المسألة التي يبحثها النص
- تحديد ما يثبته النص و ما يستبعده
- إستخلاص كيفية تشكل نص فلسفي من خلال الحوار الخفي بين أطراف مختلفة .

تصوُّر لمباشرة الإنشغال:
- صياغة السؤال الضمني الذي يمثل النص إجابة عنه .
- إفتراض الإجابات الممكنة من داخل النص (المثبتة و المستبعدة )
- البرهنة على الإجابة المثبتة من خلال النص .

المطلوب من التلميذ كعمل منزلي : صياغة السؤال الذي يمثل النص إجابة عنه و تعيين الإجابة في ضوء ذلك .



الإجراءات العملية :
1- لو تعاملنا مع النص على أساس أنه إجابات، ماهي الأسئلة التي يمكن أن نسائله من خلالها؟
2- ماهو السؤال الرئيسي الذي يجمع بين هذه الأسئلة ؟
3- ماهي الإجابة التي يقترحها الكاتب ؟
4- برهن على ذلك إنطلاقا من النص .
5- ماذا يستبعد الكاتب إذن ؟
6- برهن على ذلك من النص .
7- ماهي الإشكالية التي يمكن بناؤها لهذا النص

تطبيق على نص ج -ج روسو : رسائل من الجبل
النص :
"...يسعى البعض إلى الخلط بين الإستقلال و الحرية في حين أنهما مختلفان إلى حد أن أحدهما يمكن أن يقصي الآخر. إن قيامي بالفعل الذي أريده من شأنه ألا يرضي الآخر و هذه ليست حرية. فالحرية ليست في ممارستي لإرادتي بقدر ما هي في عدم الخضوع لإرادة الآخر و في نفس الوقت عدم إخضاع إرادة الآخر لإرادتي ... فالإرادة الحرة حقاً هي تلك التي ليس لأي فرد الإعتراض عليها أو مقاومتها وهو ما يتأكد في الحرية العامة حيث ليس من حق أي فرد أن يفعل ما تمنعه حرية الآخر .
إن الحرية الحقيقية لا تحطم ذاتها، و من ثمة فالحرية دون عدالة هي محض تناقض لأن في إنتهاكها من طرف إرادة غير متزنة ضرر مؤكد.
قطعاً إذن لا توجد حرية في غياب القانون أو في حضور من يعتبر نفسه فوق القانون. حتى في حالة الطبيعة فالإنسان ليس حراً إلا في حدود القانون الطبيعي الذي يلزم الجميع. إن الشعب الحر يطيع لكنه لا يخدم أبدا فهو يخضع لرؤساء لا لأسياد ، إنه لا يطيع إلا القانون و بالتالي يترفع عن الخضوع للناس .
الشعب الحر هو الذي يجب ألا يرى في الدولة - مهما كان شكلها - الإنسان بل جهاز القانون ..."
1- لو تعاملنا مع النص على أساس أنه إجابات، ماهي الأسئلة التي يمكن أن نسائله من خلالها؟
- هل يمكن الخلط بين الإستقلال و الحرية ؟
- كيف يعرف الكاتب الحرية ؟
- هل يمكن أن نتحدث عن حرية في غياب القانون ؟

2- ماهو السؤال الرئيسي الذي يجمع بين هذه الأسئلة ؟ أي معنى للحرية ؟

3- ماهي الإجابة التي يقترحها الكاتب ؟ إن الحرية ليست إلا الإلتزام بالقانون .

4- برهن على ذلك إنطلاقا من النص .
- "الإرادة الحرة حقاً هي تلك التي ليس لأي فرد الإعتراض عليها أو مقاومتها وهو ما يتأكد في الحرية العامة حيث ليس من حق أي فرد أن يفعل ما تمنعه حرية الآخر "
- "الحرية دون عدالة هي محض تناقض "
- "قطعاً إذن لاتوجد حرية في غياب القانون .."

5- ماذا يستبعد الكاتب إذن ؟
- ليست الحرية شيئاً آخر إلا الإستقلالية في ممارسة أي فعل .
- القانون يحد من الحرية ويقيدها لذلك فإن الحرية الحقيقية هي حرية غياب القانون .
- إن الطاعة خضوع و إنتقاص للحرية .

6- برهن على ذلك من النص :"يسعى البعض إلى الخلط بين الإستقلال و الحرية .."

7- ماهي الإشكالية التي يمكن بناؤها لهذا النص
الجواب المقترح: هل أن الحرية هي ممارسة مستقلة للإرادة الذاتية أم أنها الإلتزام بالقانون ؟ كيف يكون المرء حراً و الحال أنه محدود في ممارسته لإرادته بسلطة القانون ؟
[16]

سادساً: بلورة الاشكالية وصياغتها في الموضوع الفلسفي

إن فهم الموضوع المطروح في صيغة سؤال يستدعي الكشف عن طابعه الإشكالي أي " فهم أننا لم نفهم " على حد عبارة
باشلار: ثمة إذن أمر يستعصي على فهمنا، ولا يبدو ممكناً أن نكشف عن هذا المشكل حدسياً، بل يقتضي الأمر الدخول في السؤال وذلك :
- لمعاينة العلاقة التي هي محلّ نظر في السؤال بغية تحليلها وفهمها.
- لتحديد ما يتعلق به السؤال أي موضوع السؤال .

يمكن الاهتداء في بلورة المشكل الذي تحيل إليه صيغة السؤال وذلك:
- بالنظر في مبرر (أو مبررات ) طرح السؤال.
- بتحديد الكلمات التي تضمنها نص الموضوع .
- ببلورة السؤال الأصلي وذلك باستبداله بأسئلة أخرى تساعد على تحديد المشكل المعني ..
- بصياغة المشكل صياغة واضحة.

الهدف:

أن يصبح المتعلم قادراً على الانتقال من السؤال إلى المشكل الفلسفي وذلك من خلال تبين أن السؤال " غير بريء " وأنه يفترض شروط إمكان طرحه .
وفي ذلك ما يمكن المتعلم من تلافي المزلق المتمثل في السعي إلى تقديم إجابة مباشرة علي السؤال المطروح في نص الموضوع .

التطبيق:

الموضوع المقترح: هل يمكن أن نكون أحرارً اليوم ؟

إن النظر في مبررات طرح هذا السؤال من شأنه أن يكشف عما تفترضه صيغة الموضوع من إقرار بوجود دواع للتظنن بشأن حظوظ التحرر بالنسبة إلى الإنسان المعاصر .
وفي ضوء الوعي بمبرّرات طرح السؤال يمكن العمل على استبدال السؤال الأصلي بأسئلة أخرى كالتساؤل:

- هل أن الحرية رهينة الوعي بمجالات الحتمية ومجالات الضرورة ؟
- هل أن الحرية مشروع متوقف على تجاوز مختلف مظاهر الاستيلاب ؟
- هل أن الحرية أمر ظرفي تاريخي أم أنها تجربة تابعة للذات أي للوعي الذي يؤسسها وللإرادة التي تنشئها ؟
- إذا كانت الحرية تشترط مغالبة مظاهر الاغتراب وقهرها فهل يمثل قهرها شرطاً كافياً لجعل الإنسان حراً ؟
- هل أن الحرية من قبيل ما نكتسبه أم أنها تمثل جوهر كياننا ؟

صياغة الإشكالية في ضوء هذه التساؤلات:

أية عوائق موضوعية - مميزة لعصرنا- تتسبب في اغتراب الإنسان وتحول دون تحرره ؟ وهل في الوعي بهذه العوائق ومغالبتها ما يمثل خلاصاً حقيقياً وتحرراً فعلياً أم أن التغلب على هذه العوائق لا يمثل إلا شرطاً ضرورياً ولكنه غير كاف للتغلب على كل أنواع ا لتبعية ؟
[17]



سابعاً: خلاصة


السؤال، الإشكال وأخيراً الإشكالية مصطلحات تشير إلى مختلف مراحل التعمق المنهجي للموضوع الذي انطلقنا منه؛ فالدراسة النقدية للإشكال تقودنا إلى تحديد مجاله الفكري والوقوف عند الإشكالية التي تجعله ممكناً.
من الملاحظ أنه بالرغم من أهمية صياغة الاشكالية، إلا أن الواقع التعليمي في لبنان يظهر ان تعليم الاشكلة لا يأخذ مداه الحقيقي في حصة الفلسفة بحيث يكتفي أستاذ الفلسفة ببعض الأسئلة التي لا تستند الى أية منهجية أو أي عمق، لذلك لا بد من العودة باستمرار الى التأطير النظري، الى الاهداف النواتية الكبرى في الفلسفة و الى التطبيقات الممكنة قبل ان نباشر بتدريب الطلاب على الاشكلة.
لذا لا بد من تخصيص بعض الساعات الاسبوعية لتدريب المتعلمين على الخطوات الواجب اتباعها لرصد الاشكالية و صياغتها لما في ذلك من أهمية و حاجة ملحة بالنسبة إليهم، وبالتالي خطوة مساعدة لهم على التعامل بسهولة مع الاسئلة المطروحة في الامتحانات الرسمية والتي تشكل الهاجس الأهم بالنسبة لهم.
كما أن القدرة على الأشكلة تظهر للمتعلم أنه لا إجابة واحدة في الفلسفة، بل كل قضية هي محور جدل ونقاش، وتساعدهم على ابراز مختلف الإجابات الممكنة للمشكل الواحد وبالتالي تحثهم على التفكير النقدي.

ثامناً: المصادر الالكترونية

[1] http://www.philo.edunet.tn/philoelev/index.htm
[2] http://mohamedandaloussi.maktoobblog.com/
[3] http://www.philo.edunet.tn/philoelev/index.htm
[4] http://minerve.org/index.php?option=com_content&task=view&id=113&Itemid=41
[5] http://www.philo.edunet.tn/philoelev/index.htm
[6] http://nourddine.maktoobblog.com/910376
[7] http://www.falsafa.info/question.php
[8] http://philomartil.awardspace.com/viewpage.php?page_id=51
[9] http://www.philo.edunet.tn/philoelev/index.htm
[10] http://a.amaaz.free.fr/portail/index.php?option=com_content&task=view&id=903&Itemid=0
[11] http://www.dafatir.com/vb/showthread.php
[12] http://www.falsafa.info/question.php
[13] http://www.edunet.tn/ressources/resdisc/philo/philoens/ecritphi.htm
[14] http://www.falsafa.info/question.php
[15] http://www.philo.edunet.tn/philoelev/index.htm

[16] http://www.philo.edunet.tn/philoelev/index.htm
[17] http://www.philo.edunet.tn/philoelev/index.htm

الأربعاء، 4 يونيو 2008

chirine.ajab@gmail.com

Bonjour
j'ai fais un blog sur "google" esperons que vous auriez un le plus proche possible

A bientot